Institute of Theology

Font Size

مخطوطة قبطيّة تفتح من جديد الجدل في زواج يسوع

مخطوطة قبطيّة تفتح من جديد الجدل في زواج يسوع

دانيال عيوش - جامعة البلمند

نسخة المخطوطة حيث يُشار باللون الفاتح في السطر الرابع إلى قول يسوع.

Photograph: www.bbc.co.uk

مقدّمة

يوم الثلاثاء في 18 أيلول 2012، كانت الأستاذة كارن كينغ تشترك في المؤتمر الدولي العاشر للدراسات القبطيّة في روما. في الجلسة المخصَّصة للدراسات القصيرة حول الغنوصيّة والمانويّة، قدّمت هذه الأستاذة من جامعة هارفرد الأميركيّة بحثًا بعنوان مقتضب وبسيط: "جزءٌ لإنجيل قبطيّ جديد". وبعد كلامها تغيّر الكثير في حياتها المهنيّة، إذ إنّ الحملة الإعلاميّة التي تبعت الجلسة نقلتها إلى الشهرة العالميّة. هذا لأنّ الموضوع المطروح جذّاب للجماهير وقد يغيّر ما نعرفه حتى الآن عن حياة يسوع الناصري. أو على الأقلّ، هذا ما أكّدته الوسائل الإعلاميّة في عناوين "رنانة" يومي 18 و19 أيلول: "ذكر لزوجة يسوع في مخطوطة قبطيّة" في الـ BBC  الانكليزيّة، أو "مخطوطة باهتة تشير إلى زوجة يسوع" في الـ New York Times.

 ولكن ما هي هذه المخطوطة الشهيرة وما هي مصداقيّة فحواها؟

 

الوقائع

سمّت كينغ والإعلام كلّه هذه المخطوطة الصغيرة بـ "إنجيل زوجة يسوع"، مع أنها توضّح في مقالتها أنّ هذه التسمية مخترعة ولا تدلّ على تاريخيّة الحدث في حياة يسوع (King 1, fn 2).[1]  يملك المخطوطة شخصٌ أراد أن يبقى مجهولاً وأعلن اقتناء هذا الكنز من سوق التحف القديمة. أمّا كينغ، فتقدّر أنّ المخطوطة دوّنت في القرن الرابع الميلادي وأنّ أصلها يعود، على الأرجح، إلى القرن الثاني الميلادي. كما أنّها ترجّح العثور على المخطوطة في مصر مع أنّه ليس لها قرائن مقنعة (King 2).

تبدأ قصّة المخطوطة في شهر كانون الأول 2011، عندما زار مالكها الأستاذة كينغ في هارفرد وسمح لها بنشر مضمون النصّ. تروي كينغ أن علماء ذوي كفاءة عالية في حقل الاختصاص من الولايات المتحدة وإسرائيل فحصوا الجزء المخطوط ورجّحوا أصالته دون اجراء فحص الكاربون 14 الذي يدلّ على عمر المواد المستخدمة، أي ورق البردي والحبر (King 3-4). بحسب هؤلاء العلماء، نسيج البردي ولون الحبر يشيران إلى القرن الرابع. دفاعًا عن عدم إجراء فحص الكاربون 14، تقول كينغ إنّه ثمّة في سوق التحف القديمة أجزاء غير مكتوبة لورق البردي من القرن الرابع يمكن أن يكتب عليها المرء اليوم ما يشاء وينجح فحص الكاربون 14 (King 11). ولكنّها لا تذكر مسألة الحبر الذي يفحص، أيضًا، ولا يمكن تزييفه.

يقيس جزء المخطوطة قياس بطاقة أعمال تقريبًا، أي ثمانية سم بالعرض بأربعة سم بالطول، وهو مكتوب باللغة القبطيّة الصعيديّة. نظرًا إلى أنّ الكثير من هذه المخطوطات مترجم من اليونانيّة، تعتبر كينغ أنّ النصّ قد يكون مترجمًا من أصل يوناني أيضًا، مع أنّ قصر النصّ لا يسمح بتحديد الموضوع (King 13).

نجد في المقالة نقلاً للنصّ القبطي مع ترجمة إلى اللغة الانكيزيّة. وفي الأسفل يُقدَّم تعريب النصّ من الانكليزيّة. يتأّلف النصّ من ثمانية سطور مقروءة على وجه المخطوطة وستة سطور قصيرة وصعبة القراءة على القفا. يقدّم هذا التعريب فكرة شاملة لمضمون المخطوطة، وقد يكون غير دقيق في شكل بعض الأفعال بسبب عدم اكتمال الجمل. هنا التعريب المقترح:

على وجه الجزيئة:

  1. "ليس لي (لستُ أنا). أعطتني أمّي  الحياة..."
  2. قال التلاميذ ليسوع: "...
  3. أنكرَ. (لا) تستحقّه مريم
  4. ... قال لهم يسوع: "زوجتي..."
  5. ... تستطيع أن تكون تلميذتي
  6. لينتفخ الأشرار...
  7. أما أنا، فأبقى معها حتى...
  8. صورة

على قفا الجزيئة:

  1. أمي
  2. ثلاثة
  3. ...
  4. إلى أن...
  5. (خط غير مقروء)
  6. (خط غير مقروء)

بعد تقديم النصّ تبدأ كينغ بالتعليق على أشكال الكلمات القبطيّة والمدلولات الممكنة والمختارة للترجمة. ثمّ تنتقل إلى تفسير النصّ على مبادئ النقد الأدبي التاريخي. تعتمد خاصةً على المقارنة بالأعمال القبطيّة الخاصّة بالفترة الزمنيّة المفترضة وهي بين القرنين الثاني والرابع الميلاديّين.

 أهمّ كتابات تستشهد بها كينغ، هي: إنجيل توما المنحول (ق 3م)، إنجيل مريم المجدلية المنحول (ق 2م)، إنجيل فيليبُّس المنحول (ق 2م) وإنجيل المصريين المنحول (ق 2م). تأتي هذه النصوص من الاكتشافات الحديثة في صعيد مصر، وخصوصًا من كنوز نجع حمادي. كلها كتابات غنوصيّة منحولة، والبعض منها قصير جدًّا، ومصداقيّتها التاريخيّة غير مبرهنة (الفغالي 167-169).

 

آراء في العنوان والمضمون

يلفت النظر، أوّلاً، قرار كينغ بتسمية المخطوطة: "إنجيل". لا شكّ أن كلمة إنجيل تجتذب انتباه القرّاء، وخاصّة إذا ارتبطت بالعبارة "زوجة يسوع". لكنّها لم تتوقّف هنا، بل تفترض، أيضًا، أنّ النصّ جزء من إنجيل يحتوي على حوارات بعد القيامة (King 20)، ربّما لكي تخلق علاقة بينه وبين محتويات "إنجيل يهوذا".[2] تقول إنّها بحاجة إلى تسميةٍ ما من أجل تسهيل الإشارة إليها، وكأنّ أسماء تقليديّة كـ "مخطوطة هارفرد رقم كذا" أو "مخطوطة كينغ القبطية" لا تكفي.

تذكر كينغ بين قرائن الأصالة أنّ وضع يسوع العائليّ كان موضوعَ نقاش واسع في مصر في القرنين الثاني والثالث وتستند في ذلك إلى ما كتبه إقليمندس الإسكندري († 215م) عندما وصف رأي بعض المسيحيّين بأنّ المسيح لم يتزوّج. وتفترض كينغ أنّهم كانوا يقولون ذلك لأنّ البعض الآخر كان يؤكّد العكس. يخبر إقليمندس عن مسيحيّين يرفضون الزواج ويعتبرونه زنىً لأنّه أتى من شيطان. كان هؤلاء يفتخرون بأنّهم فهموا الإنجيل بشكل أفضل لأنّهم اقتدو بالربّ فلمْ يتزوّجوا ولم يمتلكوا شيئًا من هذا العالم (Stromata III.6.49). وكان الكاتب اللاتيني ترتوليانوس قد سبق فأكّد من قبل أنّ يسوع لم يتزوّج ووضّح أنّ بتوليّة يسوع لا تمنع المسيحيّين من الزواج الأحادي (راجع: في الزواج الأحادي 5.5).

أعتقد أنّ بتوليّة يسوع موضوع واضح جدًّا في الأناجيل القانونيّة التي لا تحتوي على جملة واحدة قد تدلّ على زواجه. علاوة على ذلك، رسالة يسوع كالعبد المتألّم الذي يأتي لخلاص الآخرين لا تسمح أبدًا بفكرة إنشاء بيت وعائلة. ولكي أذكر هنا جملة واحد من الأناجيل القانونيّة، أختار مت 8: 19 عندما يقول يسوع عن نفسه: "لِلثَّعَالِب أَوْجِرَةٌ وَلِطُيُورِ السَّمَاءِ أَوْكَارٌ، وَأَمَّا ابْنُ الإِنْسَانِ  فَلَيْسَ لَهُ أَيْنَ يُسْنِدُ رَأْسَهُ". بهذا القول يؤكّد يسوع على إنكار نفسه إلى أقصى درجة. فكيف من الممكن أن يفكّر بالزواج؟ لا مجال في رسالة يسوع الناصري أن يبادر بشيء من أجل مصلحته الخاصّة. وهذا بغضّ النظر عن الإشكالات العقائديّة التي قد تؤدّي إليها فكرة زواج المخلّص.

في 28 أيلول المنصرم، خصّصت جريدة الفاتيكان الرسميّة (L’Observatore Romano) افتتاحيّتها لقضيّة هذه المخطوطة فاعتبرتها "تزييفًا غير ملائم". في العدد نفسه، يكتب أحد منظّمي المؤتمر الدولي المذكور أعلاه، الأب كامبلاني، الذي يبدي شكوكه بأصالة المخطوطة لأنّها لم تأتِ من أعمال التنقيب المتخصّص، بل من سوق التحف القديمة بدون أيّة إشارة إلى المصدر الأوّل (راجع Povoledo).

ثمّة، أيضًا، رأي أحد علماء جامعة درهام الإنكليزيّة الذي نشر على شبكة الإنترنيت، في نهاية أيلول، مقالته بعنوان "إنجيل زوجة يسوع: كيف تمّ تركيب مخطوطة إنجيليّة مزيّفة" (Watson). يقول واتسون إنّ المخطوطة القبطيّة هذه تنتج عن نسخ بعض العبارات الحرفيّة من "إنجيل توما المنحول". يبيّن واتسن بشكل تفصيلي ودقيق الاستناد المباشر إلى إنجيل توما في المصطلحات ونحو الجمل الواردة على وجه المخطوطة. أمّا العبارة "زوجتي" التي وردت في السطر الرابع، فهي تعود، بحسب واتسون، إلى إنجيل توما 51: 19-20 حيث نقرأ: "قال لهم سمعان بطرس: لتخرُجْ مريم من بيننا، لأنّ النساء لسنَ أهلاً للحياة! _ فقال يسوع: هوذا؛ أنا أجذبها لأُعيدها ذكرًا لتصبحَ هي أيضًا روحًا حيّة شبيهة بكم، أنتم الذكور! فكلّ امرأة تُجعَل ذكرًا تدخل ملكوت السماوات."[3] لا شكَّ أن قولاً من هذا النوع لا يمكن أن يعود إلى يسوع التاريخي الذي علّم التساوي بين الرجل والمرأة والذي حقّق الكثير من أجل حقوق المرأة الاجتماعيّة في تلك الأيام. أمّا بالعودة إلى مخطوطتنا، فيعتبر واتسن أنّ مزيّفها هو كاتب حديث لا يتكلّم القبطيّة كلغته الأمّ وقام بتركيب النصّ على أساس مختارات من العبارات الواردة في إنجيل توما (Watson 1).

وبالفعل، إذا كان للكاتب القبطي لمخطوطة الأستاذة كينغ أيّة صلة بجماعة إنجيل توما، فيصعب القبول أنّ النصّ قد يؤيّد زواج يسوع، لأنّ، كما رأينا أعلاه، هذا النوع من الغنوصيّة وأكثريّة الهرطقات الغنوصيّة آنذاك، كانت تؤكّد في نصوصها أنّ النساء أقلّ شأنًا من الرجال ويصعب عليهنّ الوصول إلى الخلاص. علاوة على ذلك، يبيّن إنجيل توما أنّ يسوع كان شخصًا متقشّفًا بعيدًا كلّيًّا عن فكرة الزواج (شديد 173-192).

 

الخاتمة

على مدى العقد الأخير تعرّضت صورة يسوع إلى محاولات عديدة للتشويه. هذا ما نتذكّره، أوّلاً، ممّا سبّبه الكتاب الأفضل مبيعًا "شيفرة دافنتشي" (2003)، الذي أعاد إلى الحياة نصوص غنوصيّة مرفوضة من الكنيسة منذ قرون طويلة، وصرّح زواج يسوع من المجدليّة كواقع تاريخيّ. ثمّ أتى اكتشاف "إنجيل يهوذا" (2005)، الذي سمّي بهذا الشكل لكي يدلّوا بتفسير مغرض وغير دقيق أنّ الكنيسة رفضت التلميذ المفضّل ليسوع، وأن يسوع نظّم مع يهوذا قَتْل نفسه لأنّ هذا العالم فانٍ. بعد ذلك، أتت أيّام القبر الأورشليمي (2007)، الذي قيل إنّه يعود إلى القرن الأوّل الميلادي، وكانت محفورةً على توابيته أسماءٌ عديدة وبينها اسمَا يسوع ومريم. سرعان ما افترض العلماء أنّ هذا القبر العائلي يعود إلى "عائلة يسوع"، ونشروا فيلمًا "وثائقيًّا" عُرض على شاشات كلّ العالم. والآن تأتي هذه المخطوطة الصغيرة التي يُفترض بها تغيير ما يعرفه المسيحيّون عن يسوع عبر القرون وفي كلّ القارات. لكنّ هذه المحاولة كانت الأقلّ إقناعًا، كما رأينا أعلاه، وتبقى صورة المسيح الأكثر دقّةً وأصالةً ومصداقيّةً هي التي نجدها في الأناجيل الشريفة الأربعة التي تنقل صورة المسيح الحيّة وتبشّر البشر ببشائر الخلاص.

 

المراجع

BCC NEWS EUROPE     ‘Wife of Jesus’ reference in Coptic 4th Century script. In: BBC News Europe. Online:  http://www.bbc.co.uk/news/world-europe-19645273  (04.11.2012).

GOODSTEIN, L.              A Faded Piece of Papyrus Refers to Jesus’ Wife. In:  In: New York Times 19 September 2012. Online:  http://www.nytimes.com/2012/09/19/us/historian-says-piece-of-papyrus-refers-to-jesus-wife.html?pagewanted=all (04.11.2012).

KING, K.                           “Jesus said to them, ‘My wife…”. A new Coptic Gospel Papyrus. With contributions by AnneMarie Luijendijk. In: The Gospel of Jesus’s Wife: A New Coptic Gospel Papyrus. Online: http://www.hds.harvard.edu/faculty-research/research-projects/the-gospel-of-jesuss-wife (05 Nov 2012).

Tenth International Congress of Coptic Studies Rome, 17-22 September 2012. Online: http://www.copticcongress2012.uniroma1.it (04.11.2012).

POVOLEDO, E.               Vatican Says Papyrus Referring to Jesus’ Wife Is Probably Fake. In: New York Times 28 September 2012. Online:

http://www.nytimes.com/2012/09/29/world/europe/vatican-says-papyrus-referring-to-jesus-wife-is-probably-fake.html?_r=0 (06.11.2012)

WATSON, F.                   The Gospel of Jesus’ Wife: How a fake Gospel-Fragment was composed. Online: http://markgoodacre.org/Watson.pdf  (06.11.2012).

الفغالي، بولس           المحيط الجامع في الكتاب المقدّس والشرق القديم. بيروت: جمعيّة الكتاب المقدّس، 2003.

الكلمة أون-لاين.       مخطوطة قبطيّة تتحدّث عن زوجة المسيح وتأجيل عرض فيلم وثائقي عن هذه المخطوطة. في: الكلمة أون-لاين. على الموقع:

http://alkalimaonline.com/news.php?id=100045 (6 تشرين الثاني 2012)

شديد، اسكندر.         الأناجيل المنحولة. نسبيه – غسطا: دير سيدة النصر، 1999.

عيوش، دانيال.          إنجيل يهوذا بين الإعلام والحقيقة. في: بيبليا 46 (2، 2010)، 95-99.



[1]  المقالة مقبولة "موَقّتًا" من المجلّة اللاهوتيّة لجامعة هارفرد الشهيرة (Harvard Theological Review)، وهي منشورة على الموقع الإلكتروني الخاص لكينغ.

[2]  بخصوص مضمون هذا الإنجيل، راجع عيوش

[3]  الترجمة العربيّة ترقّم هذه الأقوال بالآية 118 وهي نهاية إنجيل توما المنحول، (راجع شديد 192)

 

 

الأستاذة كارن كينغ تحمل في يدها المخطوطة

Photograph: Rose Lincoln/EPA

 

You are here: Home Local Events مخطوطة قبطيّة تفتح من جديد الجدل في زواج يسوع
Contact us
Saint John of Damascus Institute of Theology
The University of Balamand

Address: Monastery of Balamand, PO Box 100, Tripoli, Lebanon
Tel: 00961 (0) 6 930 305 - Fax: 00961 (0) 6 930 304
email: This e-mail address is being protected from spambots. You need JavaScript enabled to view it.

Copyright (c) 1999 - 2011